/ الْفَائِدَةُ : (1) /

10/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / اِصطلاحات وعناوين العلوم / إِنَّ لنشوء الِاصطلاحات في كُلِّ علمٍ دوراً أَساسياً في تأسيس قواعد العلم، وَمِنْ ثَمَّ سيطرة الباحث وهيمنته علىٰ اِصطلاحات العلم تُعِينَه علىٰ السَّيطرة والهيمنة علىٰ قواعد ذلك العلم وأُسسه ومطالبه. وينبغي الِالتفات: أَنَّ أَكثر اِصطلاحات وعناوين البحوث المعرفيَّة البشريَّة مُقتبسة من بيانات الوحي الإِلٰهيّ الشَّريف، لكنَّها لیست شاملة لجملة قوالب أَلفاظه ولا محيطة بها. وهذا مُنَبِّه واضح علىٰ هيمنة الوحي الإِلٰهيّ علىٰ أُسس وقواعد المعرفة البشريَّة. ومنه يتَّضح: أَنَّه كُلَّما اِبْتَعَد المُتعلِّم والباحث والمُسْتَنْبِط عن قوالب بيانات الوحي وعناوينه كُلَّما كانت القوالب والمعاني والمعارف والنتائج المُتداولة بشريَّة فرشيَّة أَرضيَّة، تُولِّد حاجزاً وحاجباً ومانعاً من بلوغ معاني وحقائق القوالب والمعارف والنتائج الوحيانيَّة العرشيَّة. نعم، الاِطِّلاع علىٰ القوالب البشريَّة ومعانيها وحقائقها ومعارفها ونتائجها أَمر لابُدَّ منه، للمقابلة بينها وبين قوالب بيانات الوحي ومعانيها وحقائقها ومعارفها ونتائجها، لكنَّه يُغاير الِانْحِبَاس والعكوف عليها. / نظرة الباحث لعلوم البشر العلوم / / الباحث بين علوم البشر والوحي / ومن ثَمَّ يتحتَّم علىٰ المُتعلِّم والباحث عن الحقيقة عدم العكوف على علم: (الفلسفة)، و(الكلام)، و(العرفان) وما شاكلها من علوم البشر،ويتنبَّه: إِلى أَنَّ هذه العلوم ليست غائيَّة، بل آليَّة، وآلة يستخدمها ويستثمرها في ترويض لُغته: (العقليَّة)، و(الذوقيَّة)؛ لِيَنْطَلِق بعدها ويُبْحِر في مُحيطات بحور معارف الوحي الإِلٰهيّ غير المحدودة وغير المتناهية أَبداً وَأَزَلاً، المُشار إِليها في بياناته الوافرة الباهرة، منها: بیان قوله تقدَّس ذکره: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](1). وإِلَّا(2) اِسْتَنقع في بِرْكَةٍ رَاكِدَةٍ، وصُدَّ عن العروج في العلوم والمعارف والمعارف العرشيَّة. / بيانات الوحي دروس من عَالَم الملكوت / ومنه تتَّضح: بيانات الوحي الواردة في المقام، منها: 1ـ بيان سيِّد الأَنبياء صلى الله عليه واله ؛ مخاطباً أَبا ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يا أَبا ذرّ، الجلوس ساعةً عند مذاكرة الْعِلْمِ أَحَبّ إِلى الله من قيام أَلف ليلة؛ يُصلّي في كُلِّ ليلةٍ أَلف ركعةٍ، والجلوس ساعةً عند مذاكرة الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلى الله من أَلف غزوةٍ وقراءة القرآن كلّه. قال: يا رسول الله، مذاكرة الْعِلْمِ خير من قراءة القرآن كلّه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه واله: الجلوس ساعة عند مذاكرة الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلى الله من قراءة القرآن كلّه إِثنا عشر أَلف مرَّة ! عليكم بمذاكرة الْعِلْمِ؛ فإِنَّ بالْعِلْمِ تعرفون الحلال من الحرام. يا أَبا ذر، الجلوس ساعةً عند مذاكرة الْعِلْمِ خيرٌ لَكَ مِنْ عبادة سَنَةٍ صيام نهارها وقيام ليلها، والنَّظر إِلى وجه العالِمِ خيرٌ لَكَ مِنْ عتق أَلف رقبة»(3). 2ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً: «مَنْ يرد الله به خيراً يُفقهه في الدِّين»(4). 3ـ بيانه صلى الله عليه واله أَيضاً: «إِنَّ الملائكة لتضع أَجنحتها لطالب العلم حتَّى يطأ عليها؛ رضاً به»(5). 4ـ بيان أَمير المؤمنين عليه السلام: «إِذا أَرذل الله عبداً حظَّر عليه العلم»(6) أَي: لم يوفِّقه لتحصيله. فإِنَّها براهين وحيانيَّة دالَّة علىٰ أَنَّ طُلَّاب العلوم الدِّينيَّة لو يعلمون أَيَّ نورٍ وحقيقةٍ وعلمٍ ومعلومةٍ تَزِفُّها يد السَّاحة الإِلٰهيَّة في صدورهم لَـمَاتوا شوقاً وفرحاً وبهجةً وسروراً؛ فإِنَّه ليس من الأَمر الهيِّن اِفْتِرَاش الملائكة عليهم السلام المعصومون المُطهَّرون المُكَرَّمون أَجْنِحَتهم لتطئها أَقدام طُلَّاب العلوم الدِّينيَّة(7)، فإِنَّ العلم مِنْ أَشْرَفِ ما في الوجود، وَعُلُوّ شَرَفه بِشَرَافة المعلومة، وَأَشْرَفها: المعلومة الإِلٰهيَّة. بعد الِالتفات: أَنَّنا نحن البشر في هذه النَّشْأَة الأَرضيَّة لسنا في يَقظَةٍ لمدىٰ عظمة هذه العلوم والمعلومات وخطر فداحتها وجسامتها وقداستها ونفاستها فإِنَّها أَعظم هولاً وَأَخطر خطباً وحجماً وضخامة من عَالَم: (البرزخ)، و(القيامة)، و(الآخرة الأَبديَّة) بجنانها ونيرانها؛ لكونها(8) من عَالَم: (العقل) و(الروحانيِّين)، وهما أَرفع عَالَماً ودرجةً ورتبةً، وأَخطر هولاً مِنْ هذه العوالم ومخلوقاتها، ويُحيطان بها، ويُهيمنان عليها هيمنة اللَّطيف على الأَغلظ، ومن ثَمَّ تُدْخِل بيانات الوحي دَارِسها ومُتدَبِّرها درساً نوريّاً من عَالَم الملكوت والعوالم الغيبيَّة، وتَزِقَّه أُموراً خطيرة وحقائق مُذْهِلة وعظيمة. وفَّق الله المُشتغلين للتَّدبُّر في هذه الحقائق والعوالم والأَسرار. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لقمان: 27. (2) أَي: لو جعل المُتعلِّم والباحث العلوم البشريَّة غاية. (3) بحار الأَنوار، 1: 203 ـ 204/ح21. (4) بحار الأَنوار، 1: 177/ح49. (5) المصدر نفسه/ح47. (6) المصدر نفسه، 1: 196/ح18. (7) ينبغي الِالتفات: أَنَّ الملائكة مخلوقات جسمانيَّة لها أَجسام وأَجْنِحَة، وليست مخلوقات مُجرَّدة عن الجسميَّة كما تخرَّصه الفلاسفة؛ ومِنْ ثَمَّ حملوا أَلفاظ هذا البيان الوحياني وما شاكله علىٰ المجازيَّة. (8) مرجع الضمير: (علوم ومعلومات الوحي)